عبدالمنعم مدبولي.. «المدبوليزم» لا يحتاج إلى عنوان
محمد شوقيهو أحد أهم علامات الكوميديا في تاريخ الفن العربي قدم الكوميديا بأسلوب اجتماعي جعل منه أحد أفراد العائلة المصرية، هو الكوميديان الوحيد الذي يستطيع أن يضحكك و يبكيك في نفس الوقت، وقف أمامه العمالقة فكانوا تلاميذه، صاحب مدرسة «المدبوليزم» التي تفننت في الضحك دون إسفاف، هو بابا عبده، إنه الفنان القدير عبدالمنعم مبدولي.
وُلد عبدالمنعم مدبولي، بحي باب الشعرية في 28 ديسمبر 1921، يتيمًا فقيرًاً، وظهرت موهبته التمثيلية منذ المرحلة الإبتدائية عندما تم ترشيحه ليقود الفرقة المسرحية بالمدرسة، ومارس التمثيل لأكثر من 50 عامًا، حتى آخر يوم في عمره.
عبد المنعم مدبولي لم يتخرج في كلية الفنون التطبيقية فحسب وإنما عمل بها مدرسًا بقسم النحت حتى منتصف السبعينيات في عز شهرته ومجده.
موضوعات ذات صلة
التحق مدبولي، بالمعهد العالي لفن التمثيل العربي ليتخرج فيه عام 1949، في ثاني دفعاته، وعقب تخرجه انضم إلى فرقة جورج أبيض ثم فرقة فاطمة رشدي وشارك بالتمثيل في برامج الأطفال بالإذاعة ضمن حلقات برنامج بابا شارو، ثم استمر حتى بلغ رصيده نحو 60 فيلمًا، و120 مسرحية، و30 مسلسلًا.
تميز عبد المنعم مدبولي بكاريزما خاصة اكسبته حب الملايين في مصر والعالم العربي وشكل مع الراحل فؤاد المهندس ثنائي تمثيلى عجزت السينما والتليفزيون عن تكراره حتى وقتنا الحاضر.
نشأته وتاريخه المسرحيشارك مدبولي، في أول عمل مسرحي له من خلال دور أعرابي مع فرقة المسرح المصري الحديث التي شكلها زكي طليمات، ثم قام بتأسيس فرقة تحمل اسم المسرح الحر عام 1952.
ومن أهم الأعمال المسرحية التي أنتجتها فرقته المسرح الحر: «الأرض الثائرة، حسبة برما، الرضا السامي، خايف اتجوز، مراتي بنت جن، كوكتيل العجائب، مراتي نمره 11، والناس اللي تحت».
إضافة إلى تمثيله بتلك المسرحيات، شارك مدبولي في كتابة العروض المسرحية مثل «كفاح بورسعيد»، والتي كانت عبارة عن مجموعة من المسرحيات القصيرة أخرجها كلاً من سعد أردش وصلاح منصور.
انضم مدبولي بعد ذلك إلى فرقة التليفزيون المسرحية والتي كان يترأسها السيد بدير، بعدها تولى فرقة المسرح الكوميدي وأخرج أكثر من 44 عرضًا منها: «جلفدان هانم، أنا وهو وهي، دسوقي أفندي، مطرب العواطف، أصل وصورة، حلمك ياشيخ علام، المفتش العام، السكرتير الفني، مطار الحب، نمره 2 يكسب، ولوكاندة الفردوس» مع أمين الهنيدي التي اشتهرت فيها بجملة «بنات بابا» وكانت مجموعة بنات صغيرات أصبحن فيما بعد نجمات كبار هن هالة فاخر وبوسي ونورا.
أخرج مدبولي، لفرقة إسماعيل يس عملين هما، «3 فرخات وديك، وأنا وأخويا وأخويا» وكان يحبه إسماعيل ياسين جدًا ويستبشر به، ويراه تميمة حظه في المسرح، وقدم لماري منيب مسرحية خصيصًا لها بعدما انفصلت عن فرقة الريحاني قبل وفاتها بسنوات قليلة.
شارك مدبولى في تكوين فرقة الفنانين المتحدين، وقدم من خلالها أبرز العروض المسرحية وهي: «البيجاما الحمراء، الزوج العاشر، العيال الطيبين»، ثم انفصل عنها عام 1973 ليكون في عام 1975 فرقته الخاصة «المدبوليزم» وقدم من خلالها عروض: «راجل مفيش منه، يامالك قلبي، مولود في الوقت الضائع، مع خالص تحياتي، حمار ماشالش حاجة».
وساهم مدبولي، في اقناع فؤاد المهندس وشويكار، بتقديم عدة عروض وأفلام كئنائي فني، لينطلقا بعد ذلك ويقدموا العديد من الأعمال الفنية التي خدلتها السينما والمسرح.
شارك بالتمثيل والإخراج في عدد كبير من المسرحيات التي حققت نجاحًا كبيرًا ومنها: «السكرتير الفني» بطولة كل من الفنان فؤاد المهندس وشويكار، وهو من جمع بين فؤاد المهندس وشويكار في ثنائي فني يعد هو الاشهر في ثنائيات المسرح علي الاطلاق أثمر على 12 مسرحية من أهم المسرحيات الكوميديا و25 فيلم سينمائي و زواج استمر 15 سنة.
أهم أعماله المسرحيةتعد مسرحية «ريا وسكينة» مع شادية إحدى أيقونات المسرح العربي لما فيها من مزج بين الكوميديا والمأساة والغناء حتى أن وجود شادية على خشبة المسرح لأول مرة في مسيرتها كان له الأثر الأكبر في نجاح العمل ولكن سرعان ما اكتشف الجمهور أن هذا النجاح ينقسم بين أبطال العمل وعلى رأسهم عبد المنعم مدبولي.
أستاذ الخروج عن النص بلا إسفاف أو ابتذالقد يتبادر للذهن أن من يخرج عن النص المسرحي فقد خرج على الآداب العامة وإنما ليس في كل الحالات نجد ذلك فقد كان عبد المنعم مدبولي، أستاذًا كبيرًا في الخروج عن النص بإضافة تفيد النص نفسه وتخدم الدور دون أي إسفاف أو ابتذال نهائي فقد كان حريصًا على إرساء قواعد المسرح التربوية والتثقيفية والترفيهية دون إسفاف.
وظل يتواصل مع جمهوره في المسرح رغم تقدمه في العمر فقدم مسرحيات في ذلك الوقت منها «بحبك يامجرم، الجنزير، وريا و سكينة في مارينا».
اشتهر عبد المنعم مدبولي بحبه الكبير للأطفال لذلك قدم العديد من أغاني الأطفال في أفلامه ومسلسلاته ومن خلال التلفزيون المصري والتي ظلت خالدة في ذاكرة التلفزيون والسينما المصرية، وحفرت داخل وجدان كل أطفال مصر خلال عقود من الزمان ومن أغانيه «توت توت وكان في واد اسمه الشاطر عمرو، وإن إن الشمس البرتقالي عليها ليا سنة»
وقدم مدبولي، فوازير في شهر رمضان المبارك للأطفال ومنها «جدو عبده زارع أرضه، جدو عبده راح مكتبته» وكانت لها النجاح الساحق لدي الكبار قبل الصغار.
مدبولي يقدم 150 فيلمًا سينمائيًالم تكن السينما تستهويه مثله مثل معظم نجوم المسرح الذين يفضلون المسرح بكثير عن السينما وإن عملوا في السينما فقط لينفقوا منها على المسرح ولكن الوضع هنا يختلف بعض الشئ مع عبدالمنعم مدبولي، فقد بدأها في وقت متأخر شهد عام 1958 أول فيلم لمدبولي وهو «أيامي السعيدة»، وتوالت الأفلام بعد ذلك، التي بلغ عددها 150 فيلمًا منها: «بين السما والأرض، أصعب جواز، من أجل حفنة أولاد، شاطيء المرح، ربع دستة أشرار، عالم مضحك جدًا، غرام في أغسطس، مطاردة غرامية، المليونير المزيف، وأشجع رجل في العالم» وأخر أعمال الفنان عبدالمنعم مدبولي السينمائية فيلم «أريد خلعًا» مع الفنان أشرف عبد الباقي، و«عايز حقي» مع هاني رمزي في مشهد أبدع فيه كعادته مشهد صغير بالفيلم كله.
«الحفيد» أهم أعماله السينمائيةأهم الأدوار التي أبدع فيها وظلت عالقة بذاكرة السينما بل في حياته الفنية كلها فكانت للشخصيات التي لعبها في فيلم «الحفيد» الذي يُعد أهم فيلم اجتماعي عائلي في تاريخ الشاشة العربية بعد فيلم «أم العروسة»، و«مولد يا دنيا» والذي قدم فيها أغنية «طيب يا صبر طيب» تلك الأغنية التي تُعد علامة في تاريخه فقد تفوق فيها علي نفسه وابكى الجماهير، بعد ما كان سببًا في اضحاكهم بل وكانت هذه الأغنية إحدى أهم أسباب نجاح الفيلم نجاحًا مدويًا حتى وقتنا هذا ويذكر أن هذه الأغنية أبكت الموسيقار محمد عبدالوهاب وكان منتج الفيلم مما جعله يقدمها علي شريط كاسيت من إنتاجه.
مدبولي والزعيم في «إحنا بتوع الأتوبيس»أحد أهم الأفلام الجريئة في تاريخ السينما المصرية مع الزعيم عادل إمام والذي نال فيه عبد المنعم مدبولي 3 جوائز دولية عن دوره في هذا الفيلم و لم يحصل عادل إمام علي أي جوائز.
أستاذ العمالقةتخرج على يد مدبولي، العديد من نجوم الكوميديا وعمالقة الفن منهم، عادل إمام فقدمه في بداياته في أكثر من عمل مسرحي مع فؤاد المهندس، وسعيد صالح في مسرحية «هاللو شلبي»، ويونس شلبي في مسرحية «مدرسة المشاغبين»، ومحمد صبحي في مسرحية «هاللو شلبي»، وأحمد زكي في مسرحيتي «هاللو شلبي، ومدرسة المشاغبين»، وسهير البابلي التي كانت ممثلة تراجيدية كبيرة بل و كانت تقدم مسرحيات باللغة العربية الفصحى لـ«موليير وشكسبير» فهو أول من قدمها في دور كوميدي دور عفت في مسرحية «مدرسة المشاغبين».
وكان مدبولي، ناظر مدرسة المشاغبين بالفعل وقدم الدور على مدار موسم كامل وكان أجره الأعلى في المسرحية بل هو من قدم أبطال المسرحية وتحمس لهم وساندهم بالفعل أمام المخرج جلال الشرقاوي وبسبب خلافات إنتاجية اعتذر عن العرض ليحل مكانه حسن مصطفى، و يتم تصوير المسرحية تليفزيونيًا به وتكون فاتحة خير له وشهادة ميلاده الفنية.
وقف أمامه العمالقة يتعلمون منه مثل شادية في مسرحية «ريا و سكينة»، التي قالت عنه: «هو الوحيد اللي خلاني أعرف اقف على المسرح إزاي ».
أعمال مدبولي التليفزيونيةقدم في التليفزيون مسلسلات قليلة لكنها علامات فارقة في تاريخ الشاشة الصغيرة حتي وقتنا هذا، وتعد المسلسلات أشهرها على الإطلاق، هي: «لا يا ابنتي العزيزة، عالم عم أمين، وكسبنا القضية، ماما نور، والسجين» وغيرها من المسلسلات التليفزيونية.
كان دوره في مسلسل «أبنائي الأعزاء شكرًا» أشهر عمل فني له في تاريخه الفني العريض فلم ينجح مسلسلًا مثل هذا المسلسل الذي جعل كل أفراد الأسرة المصرية تجتمع حوله بل وتتعاطف معه و تقف ضد أولاده، حتي أنه قال: «إن الناس في الشارع كانوا عايزين يضربوا يحيي الفخراني وفاروق الفيشاوي عشان اللي بيعملوه معايا في المسلسل».
ظل الناس يرددون لقب «بابا عبده» لعبد المنعم مدبولي حتي وفاته وإلى وقتنا أصبح هذا اسمه منذ عرض المسلسل عام 1979.
ومن شدة نجاح المسلسل كرمه الرئيس الراحل أنور السادات تكريمًا خاصًا ومنحه شهادة تقدير خاصة له، وظل الكبير قبل الصغير ينادونه «بابا عبده» وكانت عالقة في أذهانهم من خلال مقدمة المسلسل نفسه.
جوائزه عن أعماله الفنيةتعددت الجوائز التي نالها الراحل عبدالمنعم مدبولي، وكان أبرزها على سبيل المثل وليس الحصر، في عام 1986 حصل على تكريم في مهرجان زكي طليمات، وفي عام 1983 حصل على وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى، وفي عام 1984 حصل على جائزة الدولة التقديرية عن مجمل أعماله من الرئيس مبارك.
يُعد عبدالمنعم مدبولي، أول فنان عربي كتبت عنه دائرة المعارف النمساوية ضمن 100 فنان عالمي من حيث عمله واستمرارية نجاحه مع بلوغه سن متقدم.
زواجه ووفاتهتزوج عبد المنعم مدبولي، مرة واحدة فقط من خارج الوسط الفني وأنجبت3 أبناء هم: «أمل ومحمد وأحمد».
وفي يوم الأحد الموافق 9 يوليو 2006، رحل بابا عبده عن عالمنا، تركنا صانع البهجة والسرور بعد رحلة عطاء فني كبيرة اتسمت بالحب والضحك والدموع رحل بعد معاناة من قصور في القلب فقد انهكه قلبه الذي أمتلأ بحب الناس والفن والحياة.