موقع السلطة
السبت، 9 نوفمبر 2024 05:17 مـ
موقع السلطة

رئيس التحرير محمد السعدني

  • اتحاد العالم الإسلامي
  • nbe
  • البنك الأهلي المصري
لايت

بالتفاصيل.. مدرس فقه توضح الأحكام الشرعية لإرضاع الأم لطفلها

رضيع
رضيع

قالت الدكتورة فاطمة جابر السيد يوسف، مدرس الفقه المقارن بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات بني سويف جامعة الأزهر الشريف، إن الطفل جزء من أمه وقطعة من كيانها فهي تحنو له وتحدب عليه وتعكف على راحته، وهذه الصلة الوثيقة التي تربط الأم بطفلها تبلغ ذروتها وأوج قوتها في الأسابيع ثم الأشهر الأولى من ولادته؛ إذ يبلغ بها الأمر أن تعكف عليه عكوفًا يشبه عبادة العابد، ونسك الناسك.

وتابعت أن الله تبارك وتعالى يثني على الأم إذ تتحلى بهذه السجية الإنسانية، ويعلن ما تستوجبه بهذه العاطفة من التكريم فيقول: (وَوَصَّيۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ بِوَٰلِدَيۡهِ حَمَلَتۡهُ أُمُّهُۥ وَهۡنًا عَلَىٰ وَهۡنٖ وَفِصَٰلُهُۥ فِي عَامَيۡنِ أَنِ ٱشۡكُرۡ لِي وَلِوَٰلِدَيۡكَ إِلَيَّ ٱلۡمَصِيرُ) سورة لقمان آية رقم 14.

وأوضحت أن الرضاع - بكسر الراء وفتحها- في اللغة: مصدر رضع أمه يرضعها بالكسر والفتح رضعا ورضاعاً ورضاعة، أي: امتص ثديها أو ضرعها وشرب لبنه، وأرضعت ولدها فهي مرضع ومرضعة، وهو رضيع، والرضاع في الشرع: اسم لوصول لبن امرأة أو ما حصل من لبنها في جوف طفل.

وتابعت: "الأصل في مشروعية الرضاع قوله تعالى: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ) (سورة البقرة آية رقم 233). وقوله سبحانه وتعالى: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) سورة الطلاق آية رقم 6.

وأكدت أن الحكم الشرعي هو اتفق الفقهاء على أن كل أم يلزمها إرضاع ولدها؛ لقول الله تعالى: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ) (سورة البقرة آية رقم 233).

وواصلت: "وجه الدلالة هو: أن قوله تعالى: يُرْضِعْن خبر في معنى الأمر، أي: ليرضعن، فأمَرَ الزوجات بإرضاع أولادهن، وأوجَبَ لهن على الأزواج النفقة والكسوة طالما الزوجية قائمة، وذلك الإرضاع الواجب عليها في أحوال ثلاثة:

الأولى: يجب على الأم إرضاع الطفل (اللبأ) وإن وجدت مرضعة أخرى غيرها، و(اللبأ): ما ينزل بعد الولادة من اللبن يحتوي على مواد ملينة؛ تساعد على تنظيف أمعاء الطفل، وإعداده للتغذي؛ لأن الطفل لا يقوى غالباً إلا به، ويرجع في مدة بقائه إلى أهل الخبرة.

الثانية: إذا لم يقبل الطفل ثديًا غير ثديها، فبعض الأولاد تكون عندهم حساسية، ولا يمكن أن يقبل غير ثدي أمه، وهذا من الله سبحانه وتعالى كما وقع لموسى عليه السلام: {وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ} [سورة القصص آية رقم 12] فكلما جاءت امرأة لم يقبل ثديها، فإذا امتنع ولم يقبل النساء الموجودات وقالت أمه: لا أرضعه، فطلبها زوجها الذي هو والد الطفل فقال: أرضعي ولدكِ واتقي الله في ولدكِ، فقالت: لن أرضعه، فهنا يجبرها القاضي على إرضاعه؛ لأنها امتنعت عن أداء واجب شرعي عليها، وفيه تحقيق مصلحة الطفل، والحفاظ على حياته، ومدّه بقسط من حنانها وعطفها لا يجده في غيرها؛ لأن إنقاذ هذه النفس المحرمة واجب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

الثالثة: إذا عدم الأب، ولا مال له ولا للطفل؛ لاختصاصها بذلك، قال الله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى المَولُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالمَعْروفِ لا تُكَلَّفٌ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَها لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَلاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا ءَاتَيْتُمْ بِالمَعْروفِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (سورة البقرة آية رقم 233).

وأوضحت: إذا لم يجب على الأم إرضاع ولدها في غير الأحوال الثلاثة سالفة الذكر فإنه يترتب على عدم الوجوب ما يأتي:

أولاً: إن تبرعت الأم بإرضاع ولدها، فإنها لا تمنع من ذلك؛ لأن لبنها أفضل لبن باتفاق الأطباء، فالولد قد تكوّن من دمها وهو في أحشائها، فلما برز إلى الوجود تحول الدم إلى لبن يتغذى منه وهو منفصل منها، فهو الذي يلائمه في التغذية وهو سائر معه بحسب سنه، ولا يخشى على الولد منه من علة بدنية أو خلقية تكون فيه، فما أخذه وهو في الرحم فاللبن لا يزيده شيئا، فالطفل يحتاج إلى أمه حاجة تتصل بكيانه كله، وتشمل مشاعره وأحاسيسه.

فلقد روى أَبُودَاوُدَ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ ابْنِي هَذَا كَانَ بَطْنِي لَهُ وِعَاءً، وَثَدْيِي لَهُ سِقَاءً، وَحِجْرِي لَهُ حِوَاءً، وَإِنَّ أَبَاهُ طَلَّقَنِي وَأَرَادَ أَنْ يَنْتَزِعَهُ مِنِّي، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي". رواه ابو داود وصححه الحاكم.

ومن قول النبي صلى الله عليه وسلم هذا ندرك مدى اهتمام الإسلام بالطفل، حيث انتزع الرسول الله صلى الله عليه وسلم طفلًا من أبيه- وهو أقرب الناس إليه- ليكون في رعاية أمه؛ لأنها أشفق وأقدر على تربيته في هذا السن.

هكذا كفل الإسلام للطفل حقه في الرضاع، ولم يكتف بذلك بل تجاوزه إلى تعطيل إقامة الحد على الأم الزانية إلى حين انتهاء فترة رضاعه منها.

ففي قصة الغامدية التي حملت من الزنا، وجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليقيم عليها الحد، قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "«أَمَّا لَا فَاذْهَبِي حَتَّى تَلِدِي»، فَلَمَّا وَلَدَتْ أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ فِي خِرْقَةٍ، قَالَتْ: هَذَا قَدْ وَلَدْتُهُ، قَالَ: «اذْهَبِي فَأَرْضِعِيهِ حَتَّى تَفْطِمِيهِ»، فَلَمَّا فَطَمَتْهُ أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ فِي يَدِهِ كِسْرَةُ خُبْزٍ، فَقَالَتْ: هَذَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ، قَدْ فَطَمْتُهُ وَقَدْ أَكَلَ الطَّعَامَ، فَدَفَعَ الصَّبِيَّ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَحُفِرَ لَهَا إِلَى صَدْرِهَا، وَأَمَرَ النَّاسَ فَرَجَمُوهَا" هذا لفظ مسلم في صحيحه .

ثانيا: إذا أرادت الأم إرضاع ولدها بأجرة، ووجدت من سترضعه بدون أجرة، فإنه ينزع من أمه ويسلم إلى من سترضعه بدون أجرة، وقيل: لا ينزع لزيادة شفقتها عليه.

ثالثا: إذا طلبت الأم أجرة على إرضاع ولدها وكان هناك مرضعة غيرها بأجرة كذلك، فالأم أحق من غيرها؛ لأن الأم أحن وأشفق ولبنها أَمْرأ من لبن غيرها، والمرضعة المستأجرة تسمى - ظِئْرًا- ويجب عليها إرضاع الطفل في المكان الذي اتفق معها على إرضاعه فيه، ولا تتعداه حتى لو اتفق معها على إرضاعه في بيتها.

ــ فإذا أرضعته مرضع لضرورة وجب التدقيق في صحتها ومعرفة أخلاقها، وبذل الجهد فى اختيارها؛ لأن لبنها يؤثر في جسم الطفل وأخلاقه وآدابه؛ إذ هو يخرج من دمها ويمتصه الولد، فيكون دما له ينمو به اللحم وينشز العظم، فيؤثر فيه جسمياً وخلقياً، وقد لوحظ أن تأثير انفعالاتها النفسية والعقلية في الرضيع أشد من تأثير صفاتها البدنية فيه، حتى لقد يؤثر صوتها في صوته، فما بالك بآثار عقلها وشعورها وملكاتها النفسية، وقد فطن علماء التربية والتهذيب في الأمم الراقية، حتى كانت قيصرة روسيا ترضع أولادها وتحرم عليهم المراضع.

ـــ قال الشافعية والحنابلة: إذا لم تتعين أم الطفل لإرضاعه بأن لم توجد حالة من الحالات السابقة، فلا يجب عليها إرضاعه، ولا تجبر على القيام به إذا امتنعت سواء كانت في عصمة الأب أم بائنة عنه، وعلى أبيه في هذه الحالة أن يستأجر مرضعة له وأجرتها عليه في ماله إذا لم يكن للطفل مال؛ لأنها من نفقته، والأب ملزم بنفقة ابنه الصغير الفقير.

ـــ الحالات التي تستحق فيها الأم الأجرة على إرضاع طفلها:
1ــ تستحق الأم الأجرة على الرضاع بالاتفاق بعد انتهاء الزوجية والعدة، أو في عدة الوفاة، لقوله تعالى: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) (سورة الطلاق آية رقم 6)، فهي واردة في المطلَّقات؛ ولأنه لا نفقة للأم بعد الزوجية وفي عدة الوفاة، أما في حال قيام الزوجية فلا تستحق أجرة؛ لأن الله تعالى لم يجعل لها إلا الكسوة والنفقة بالمعروف، وذلك في قوله تعالى: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (سورة البقرة آية رقم 233).

2 - تستحق الأم الأجرة على الرضاع في عدة الطلاق البائن – في الأصح– عند بعض الحنفية؛ لأنها كالأجنبية، وكذا عند المالكية، لقوله تعالى:(فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) (سورة الطلاق آية رقم 6)، فقد أوجب الله تعالى للمطلقات طلاقاً بائناً الأجرة على الرضاع، حتى لو كانت حاملاً ولها النفقة؛ لأن كلاً من النفقة وأجرة الرضاع وجب بدليل خاص به، فوجوب أحدهما لا يمنع وجوب الآخر، وذكر بعض الحنفية عدم الفرق بين عدة الطلاق الرجعي والطلاق البائن، فلا تستحق الأم أجرة الرضاع في الحالتين؛ لوجوب النفقة لها مطلقاً.

والحاصل: أن المدار في استحقاق الأم أجرة الرضاع وعدم استحقاقها على وجوب الرضاع وعدم وجوبه عليها في رأي المالكية، وعلى وجوب النفقة للأم وعدم وجوبها لها في رأي الحنفية.

البنك الأهلي
الدكتور فاطمة جابر السيد يوسف كلية الدراسات الإسلامية فقه المقارن جامعة الأزهر الأزهر الشريف السجية الإنسانية الرضاع
tech tech tech tech
CIB
CIB